كما هو معلوم لديكم أيها القرّاء الأفاضل من أن العرب قد إشتهروا بفصاحتهم وبلاغتهم عن سائر الأمم والشعوب ، ويكفي في ذلك ما روي عنهم في أشعارهم وأنثارهم ، لكنه مع توالي الدهور وممرالعصور تمادى العرب في فصاحتهم وبلاغتهم حتى صاروا ينظمون القصائد بطرق غريبة وعجيبة ، ومن هذه الطرق هو نظم القصائد على أن ظاهرها المدح وحقيقتها الذم دون أن يشعر بذلك سامع للقصيدة.
ومن أجمل ما روي في ذلك قصيدة نظمها الشاعر إسماعيل بن أبي بكر المقري حين أجبر من أحد خلفاء الدولة العباسية بمدحه في قصيدة ، فأنشده بقصيدة ذات أبياتٍ عجيبة إذا قرأتها من اليمين كانت مدحاً ، وإذا قرأتها من اليسار كانت ذماً دون أن يختل شيئ من أوزانها وأبياتها نحوياً.
وإليكم بعضاً من أبيات هذه القصيدة حيث قال الشاعر :
من اليمين إلى اليسار .... في المدح
طلبوا الذي نالوا فما حُرمــــوا ........ رُفعتْ فما حُطتْ لهـــم رُتبُ
وهَبوا ومـا تمّتْ لــهم خُلــقُ ........ سلموا فما أودى بهـــم عطَبُ
جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا ........ حُمدتْ لهم شيمُ فــمـــا كَسَبوا
من اليسار إلى اليمين .... في الذم
رُتب لهم حُطتْ فمــــا رُفعتْ ........ حُرموا فما نالوا الــــذي طلبُوا
عَطَب بهم أودى فمـــا سلموا ........ خُلقٌ لهم تمّتْ ومــــــا وهبُوا
كَسَبوا فما شيمٌ لـــهم حُمــدتْ ........ كَسَدوا فمــا نرضى الذي جَلبُوا
[size=16]وتستمر هذه البلاغة فتأتي بصورة أخرى ، وهي أنك تأتي إلى القصيدة ( أعني قصيدة مدح ) فاذا اكتفيت بقراءة الشطر الاول من كل بيت فإنه تصبح لديك قصيدة هجـــــاء . وبالمثال يتضح المقال ، فهذه قصيده مدح ، قيلت في نوفل بن دارم ، فإذا اكتفيت بقراءة الشطر الاول من كل بيت صارت القصيدة ذم له ، و إليكم هذه القصيدة حيث قال الشاعر :
[b][color=red]قصيدة المدح
إذا أتيت نوفل بن دارم ........ امير مخزوم وسيف هاشم
وجــدته أظلم كل ظــالم ........ على الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعـاجم ........ بعـــرضه وســره المكـاتم
لا يستحي مـن لوم كل لائـم ........ إذا قضى بالحق في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم ........ في جانب الحق وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سن النادم ........ إذا لم يكن من قدم بقادم
قصيدة الذم
إذا أتيت نوفل بن دارم ........ وجــدته أظلم كل ظــالم
وأبخل الأعراب والأعاجم ........ لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعي جانب المكارم ........ يقرع من يأتيه سن ال نادم
وأخيراً وبعداً عن الإطالة عليكم ، إليكم هذه الطريقة الشعرية العجيبة والتي صورتها تختلف عما قبلها لكنها جميلة ورائعة ، وهي أنــك تستطيـــع قراءة أبيات القصيدة أفقيــا ورأسيـــا دون أن تتغير القصيدة في تركيبها ومضمونها ، وإليكم هذه القصيدة
القصيرة حيث قال الشاعر :
ألــوم صديقـي وهـــذا محـــــال
صديقــي أحبــه كــــلام يقــــال
وهــذا كـــلام بليــــغ الجمـــال
محـــال يـــقال الجمـــال خيـــال